القاهرة (الاتحاد)
أتى رجل من منطقة زبيد باليمن إلى مكة، خرج بتجارة فاشتراها منه العاص بن وائل وكان ذا قدر بمكة وشرف، فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف، فأبوا أن يعينوه على العاص بن وائل وانتهروه، فصعد جبل أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة ونادى بأعلى صوته:
يا للرجال لمظلوم بضاعته
ببطن مكّة نائي الدار والنفر
قال ابن إسحاق: قام الزبير بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، وقال: «ما لهذا منزل»، فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان التيمي القرشي وكان سيد قريش، فصنع لهم طعاماً، وتحالفوا في ذي القعدة سنة 590 م بعد شهر من انتهاء حرب الفجار بين كنانة وقيس عيلان، وتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يداً واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة وما رسا حراء وثبير مكانهما، فسمت قريش ذلك الحلف «حلف الفضول»، وقالوا: «لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر»، ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه.
كان حِلف الفضول أشرف حلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم وإني أعذر به هاشم وزهرة وتيم، تحالفوا أن يكونوا مع المظلوم ما بلّ بحر صوفة ولو دعيت به لأجبت وهو حلف الفضول».
كان حلف الفضول تجمعاً وميثاقاً إنسانياً تنادت فيه المشاعر الإنسانية لنصرة المظلوم، والدفاع عن الحق، ويعتبر من مفاخر العرب قبل الإسلام، وإنّ بريق الرضا والفرح بهذا الحلف يظهر في ثنايا الكلمات التي عبّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فالحلف يعد معاهدة لنبذ العنف والظلم وتحقيق المساواة، وقد عقد قبل البعثة النبوية بسنوات، وشهده صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، وله من العمر عشرون عاماً، فحلف الفضول ينسجم مع ما جاء به الإسلام ويدل على ذلك ثناء النبي وإشادته به.
ويشكل هذا الحلف الوثيقة الأولى في حفظ وحماية الحقوق العامة للإنسان، وقد جاء الإسلام ليقرر ذلك، فحرم قتل النفس ودعا لحفظ المال والعرض، وقد حرص الإسلام على وجوب نصرة المظلوم أياً كان دينه ومعتقده ومذهبه وقوميته ولغته ولونه وجنسه.